روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | ضوابط الحوار بين أتباع المذاهب الإسلامية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > ضوابط الحوار بين أتباع المذاهب الإسلامية


  ضوابط الحوار بين أتباع المذاهب الإسلامية
     عدد مرات المشاهدة: 2142        عدد مرات الإرسال: 0

تختلف ضوابط الحوار بإختلاف طبيعته وزمانه ومكانه وأطرافه، ومع ذلك يمكن صياغة مبادئ وقواعد تضبط الحوار بين أتباع المذاهب الإسلامية وتقرب بين وجهات نظرهم.

= الأول/ تحرير محل الحوار:

بتعيين موضوعه وتحديد أبعاده، بحيث يتعرف كل طرف على الفكرة التي ينطلق منها وعلى كل ما يتصل بها، يقول الباجي: ولا يتكلم إلا على المقصود من كلامه، ولا يتعرض لما لا يقصده مما جرى في خلاله، فإن الكلام على ما لم يقصده عدول عن الغرض المطلوب. وتحرير محل الحوار ينبغي أن يكون في غير الثوابت الإسلامية التي ليست محلاً للإجتهاد، حتى لا يكون المقطوع به شرعاً محلاً للحوار بين أتباع المذاهب الإسلامية المعروفة عند أهل السنة، ولها مراجع ومصادر مدونة ومتداولة في التفسير والحديث، وفي الفقه والأصول والكلام، وإلا فقدنا جوهر الحوار وهو الوصول إلى الحقيقة محل النزاع.

= الثاني/ الموضوعية:

بأن يتبع كل طرف المنهج العلمي في التفكير والنقاش، فيأخذ كلام خصمه بجدية وإعتناء، ويعطيه الفرصة المناسبة ليعرض ما عنده، حتى لو كان غير مقتنع بما يقول، وقد علَّمنا القرآن الكريم كيف نتنزل مع الخصم لإقناعه بالصواب فقال جل شأنه: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف:81].

وفي ذلك إتباع لقواعد العقل والمنطق، وعرض للحجة والبرهان بالحكمة وبالتي هي أحسن، حتى يشعر الخصم بحريته وإستقلاله الفكري، ويتأكد من أن من يحاوره لا يسعى إلا إلى الصواب، وقديماً قيل: إن كنت ناقلاً فالصحة، وإن كنت مدعياً فالدليل، وهذا المبدأ يقدم تأصيلاً سليماً للمنهج العلمي، فهو يغلب العناصر الحقيقية والعلمية لموضوع الحوار، ويبعد عن تغليب دوافع الذات والعاطفة وإنحيازها نحو فكرة مسبقة، فيحقق ما ينبغي أن يسود الحوار من صدق وأمانة وتجرد، للوصول إلى الحق أينما كان.

ومما يتصل بضابط التفكير العلمي والموضوعية في التحاور بين أتباع المذاهب الإسلامية ما يلاحظ من أن بعض الإجتهادات الفقهية والفكرية بنيت على وسائل معرفية ناجمة عن الإستقراء والملاحظة في ضوء الإمكانات المتاحة وقتئذ، ثم تطور العلم بدرجة مذهلة، فقدم نتائج يقينية في كثير من المجالات، غيرت ما توصل إليه الإجتهاد السابق، فكان لزاماً في ظل المنهج العلمي، الأخذ بهذه النتائج اليقينية والعدول عن الإجتهادات الظنية.

= الثالث/ المساواة بين المتحاورين:

من ضوابط حسن التحاور أن يتوافر تقارب فكري وعلمي وإجتماعي بين أطراف المحاورة، لأن الحوار الذي لا يقوم بين أطراف متكافئة لا تكون نتائجه عادلة، ولهذا أكد القرآن الكريم على ضرورة العدل والمساواة بين الصديق والعدو حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8].

يقول القرطبي: لا تصح المناظرة ويظهر الحق بين المتناظرين حتى يكونا متقاربين أو مستويين في مرتبة واحدة من الدين والعقل والفهم والإنصاف، وإلا فهو هراء ومكابرة.

ولعل هذا هو ما سوغ لبعض العلماء أن يحذّر من التحاور والمناظرة مع من كان مهيباً ومحترماً كالأستاذ، إذ مهابة الخصم وإحترامه ربما تزيل دقة نظر المناظر وحِدّة ذهنه.

= الرابع/ إستخدام الأسلوب المناسب:

الحوار الناجح هو الذي ينطلق من الحجة الرأسية، ويتجنب الحجة الأفقية، وقد حذر العلماء من التجاء المحاور إلى الإطالة والتكرار والإسهاب، لأن ذلك يغطي على الفكرة الرئيسة ويدخل السامع في متاهات بعيدة، كما حذروا من إختصار الكلام بما يؤدي إلى الإخلال بفهم المقصود منه، ونبهوا المناظر إلى أن تكون لغته واضحة تعتمد على المصطلحات والعبارات المتفق على معانيها، وتبتعد عن الألفاظ الغريبة أو المحتملة لأكثر من معنى، وأن يحترز عن إستعمال الكلمات الأجنبية لئلا يكون مخلاً بالفهم.

فالمحاور الناجح هو الذي يصل إلى ما يريد من أقرب طريق، فلا يضيع وقته ووقت غيره في مقدمات طويلة لا فائدة منها، وإنما يعرض فكرته بأسلوب موجز وعبارات واضحة، ثم يدعم هذه الفكرة بالأدلة المنتجة والبراهين الصادقة.

= الخامس/ ضبط النفس وعدم التسرع:

فالحوار الهادف لا ينتج ثمرته إلا إذا كان المحاور يتصف بالحلم والصبر والقدرة على ضبط النفس وكظم الغيط، فيترك المجال لخصمه يعرض فكرته كاملة دون أن يقاطعه، ويمكنه من إبراز حجته دون مصادرة لقوله، ثم يحرص على إستيعاب ما تم طرحه ويجتهد في التركيز على فهم مراد المحاور من كلامه، لا على ما يبدو من مظاهر لفظه وعبارته، وإذا إشتم من حديث محاوره رائحة التهكم أو السخرية فلا يجهل ولا يغضب لدرجة تذهب عنه علمه ووقاره، بل يقابل ذلك بالصبر الذي يدل على ثقته بنفسه.

الكاتب: أ.د.محمد جبر الألفي.

المصدر: موقع رسالة الإسلام.